السبت، 14 أغسطس 2010

شاعر كبير فى الظل

شاعر كبير فى الظل

الشاعر حسن جاد


أ.د. أيمن تعيلب

الشاعر حسن جاد أحد الشعراء الرومانسيين المصريين المجهولين،وكان أستاذا مرموقا بجامعة الأزهر الشريف عاش فى النصف الأول من القرن الماضى،كتب النقد الأصيل، والشعر البديع،ولا يعرفه كثير من متذوقى الأدب وعشاقه فى مصر، ناهيك عن كثير من المتخصصين فى الأدب العربى المعاصر،وقد لفت نظرى ما نشره الأستاذ حزين عمر للشاعر حسن جاد (رحمه الله) فى كتابه الجميل:((ديوان القاهرة )) الصادر عن الهيئة المصرية العامة،قصيدته عن((الأزهر فى عيده الألفى))ص ـ171،172) من كتابه، فحرك هذا الاختيار فى نفسى الشجون القديمة فى حب شعر هذا الشاعر ففى ضحوة يفاعتى الشعرية الغريرة إذ تتلقط نجمات الشعر من سماء الجمال،كنت شغوفا بقصيدة حب لحسن جاد وقعت فى كيانى كله موقع السحر الحلال،وهى ((على أطلال الحب والنسيان)) فقد نسجت القصيدة فى حرير الروح،فصارت القصيدة ليلى ونهارى أفرغ فيها ذهول روحى الحيران،وأنفث فى سحرها الهامس الخفيت نفثات زحمن الكيان حيث دموع الحب الأول الغرير تنثال فى عتمة نفسى الأسيانة،وكنت أتلو القصيدة كلما تذكرت مدرسة المكتبة التى سافرت إلى بلدتها البعيدة غير آبهة بالقلب الذى سافر بعدها فى آفاق الله يزرعها حسرات على غيابها،وعلى التو قلت فى نفسى لقد حان الوقت لنفض الغبار النقدى عن هذه الجمانة الشعرية المخبوءة،بالطبع ليست قصيدة على أطلال الحب وحدها،بل شعر الشاعر حسن جاد كله،خاصة بعد أن وقع لى كثير من شعره أثناء عملى مدرسا للأدب الحديث بكلية الآداب والتربية عام 1997، بجامعة عمر المختار بليبيا،وقد لفت انتباهى حفظ بعض الطلاب الليبيين بكلية الآداب، قسم اللغة العربية بعض شعر الشاعر،ناهيك عما وقع لى من بعض شعره المنشور فى الدوريات الليبية الرسمية والمحكمة معا، فى السبعينيات من القرن الماضى.

وقد أورد الأستاذ حزين عمر نص القصيدة كاملا للشاعر حسن جاد فى حب مصر ضمن شعر الشعراء الذين رصدهم لهذه الغاية،وقد قال حزين عمر بأن نشر قصيدة حسن جاد هى المرة الأولى التى تنشر فيها كاملة للشاعر، فقد قال الأستاذ حزين عمر:(( وأظن أن هذه هى المرة الأولى التى يرى فيها هذا النص الحياة، بعد أن نشر للمرة الأولى عام1983م ،بمناسبة احتفالات العيد الألفى للأزهر)) وهو نص طويل يصل قرابة الثمانين بيتا،ولست أدرى مدى صحة كلام حزين عمر فى ظنه السابق حول نشره القصيدة للمرة الأولى،خاصة أن هناك دراسة للماجستير بجامعة الأزهر الشريف حول شعر الشاعر حسن جاد،وكانت بعنوان(( الاتجاهات الفنية فى شعر حسن جاد))،وهى للباحث محمد عبد الرحيم خضير،وقد نوقشت هذه الدراسة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة عام 1984،بإشراف الدكتور عبد اللطيف خليف،وهو تاريخ سابق لنشر كتاب حزين عمر،وقد جمع الباحث بعضا من شعره فى رسالته،لكننا نؤكد هنا كما أخبرنى الأستاذ الدكتور الناقد صابر عبد الدايم عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالزقازيق بأن الشاعر حسن جاد له ديوان شعر كبير مخطوط، قد جمع فيه أشعاره جميعا،فقد كان غزير الإنتاج من جهة،وناقدا مرموقا صاحب تصورات نقدية جريئة فى الشعر العربى عامة والشعر الأندلسى خاصة من جهة ثانية،نرى ذلك فى كتابه الرائد عن شعراء المهجر (( الأدب العربى فى المهجر))،وكتابه الجميل عن:((ابن زيدون:عصره:حياته:أدبه))،وكتابه عن(( فى الأدب المقارن))،ناهيك عن كتبه الشعر العربى القديم والأموى والعباسى،ناهيك عن تصحيحه الكثير من الأحكام النقدية الراسخة والجاهزة عن الشعر الأندلسى والحضارة الأندلسية بشكل عام، ويكفينا فى هذا الصدد أن نقرأ دراسته الأصيلة حول (( الشعر الأندلسى بين التجديد والتقليد)) والتى نشرها بمجلة كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة قاريونس بالجماهيرية الليبية، فى عددها الأول وسنتها الأولى عام 1973،ص221 ـ 236 ،وقد صحح فيها حسن جاد كثيرا من المفاهيم النقدية الشائعة لدى النقاد العرب المعاصرين بخصوص تبعية الشعر الأندلسى للشعر المشرقى فى كل شىء،وكأننا نشارك فى طقس نقدى عربى قديم سماه المعتمد بن عباد((هذه بضاعتنا ردت إلينا))،لكن حسن جاد يثبت فى دراسته الجادة السابقة خلاف ذلك،فيرد للشعر الأندلسى أصالته الخاصة به سواء فى بنائه الفنى أومفرداته وتراكيبه وأخيلته ورؤاه للعالم،ودون الدخول إلى العالم النقدى الخاص بحسن جاد، نحب أن نخصص هذه الدراسة حول شعره،وأنا أحب أن أثنى على الكلام السابق لحزين عمر الذى أثنى على القدرات الفنية للشاعر، لكنه لم يتحدث عن الشاعر سوى أن أورد له هذه القصيدة فى حب مصر، واكتفى حزين عمر بقوله بأن ((الشاعر الكبير حسن جاد لا يعرفه أحد الآن من عشاق الشعر المعاصر، وقد كان شاعرا ملء السمع والبصر فى النصف الأول من القرن الماضى)) يقول حزين عمر فى تقديمه للشاعر وشعره فى كتابه السابق: ((والدكتور حسن جاد قد شاد قصيدة ليس بإمكان ناقد منصف مهما كانت انتماءاته النقدية والفكرية أن يخرجها من ديوان الشعر العربى أو يتجاهلها إذا ذكر الأزهر فى وجدان الشعراء)،وقد أورد حزين عمر القصيدة كاملة دون تعليق نقدى كاف يعطى القصيدة حقها الجمالى والإبداعى ، بل اكتفى باللمحة الدالة كما رأينا فى التقديم السابق،وربما كانت طبيعة الكتاب والمنهج الذى سار عليه حزين عمر يلزمانه ذلك، ولكنى أود أن أشير فى هذه الدراسة بأن الشاعر(حسن جاد) كان من الشعراء الرومانسيين المجيدين فى القرن الماضى،تغلب على ألفاظه السلاسة والعذوبة والرقة، وعلى صوره الغرابة والطرافة،وعلى مجازاته الأصالة والتجديد، ولقد كنت شغوفا بشعره عندما كنت أكتب الشعر فى سنى الجامعة، قبل أن أقرر الكف التام عن قرض الشعر بعد أن تيقنت من أننى لن أكون مثل محمود حسن اسماعيل مثلا، أو غيره من الشعراء الكبار الأصلاء،فالشعر قمة لا تعرف التوسط والسفوح، وهو فن صعب وطويل سلمه،وقد يكون استيعاب الموروث البلاغى والنقدى والجمالى والتمكن منه كل التمكن أقل صورة من صور الوعى بالشعر الخلاق،فالشعر موهبة فطرية،قبل كل شىء ثم يأتى المراس الجمالى والمران النقدى لاحقا،وما أفسد على أصحاب المواهب الكبيرة،والحرف الأصيلة ميادينهم سوى اقتحام أصحاب التوسط والقزامة والسفوح عوالم الشعر المستعصية.

لقد كان الشاعر حسن جاد صاحب موهبة كبيرة،ويكفينا أن نقرأ فى هذا الصدد قصائده العبقرية فى الغزل يقول الشاعر فى قصيدته:

(( على أطلال الحب والنسيان))



انقضى الحب ياحبيبة أمسى بعد طول الغياب والهجر ينسى

أنت من أنت؟ لاأرى فيك معنى من معانى الماضى الحبيب لنفسى

أنت من أنت؟ اتهمت ظنونى حينما عدت لى وكذبت حدســى

أنت من انت؟ لست محراب روحى مْثل عهدى ولست معبد قدســى

أنت من أنت؟ لست هتفة قلبى فى صلاتى ولست نبضة حسى

أنا أنكرت فيك كـل أحاسيسى فلم يبق غير حبى لأمســــى

ما لعينيك لاتفيضان بالسحر وقد كانتا لروحى سحــــــرا

ما لخديك لايشعان بالجمر وقد كانتا من قبـــل خمرا وجمر

ما لنهديك لايموجان باللحن وكانا لحنا وشــــــدوا وشعرا

ومحياك لم يعد شمس آمالى تبدى فلم يضىء مكفـــــــهرا

عافت الروح هذه الشفة الحرى كما عافت الفراشـــــــة زهرا

لم يعد فيك من متاع لروحى وخيالى سوى حنين وذكـــــرى



وهى قصيدة بديعة تذكرنا بقصيدة الشاعر التونسى المعاصر: أبى القاسم الشابى :((صلوات فى هيكل الحب)) التى يقول فيها مثل هذه التراكيب الشعرية:



أنت من أنت؟ أنت رسم جميل ****عبقرى من فن هذا الوجود

أنت من أنت؟ أنت فجر من السحر **** تجلى لقلبى المعمـــود



والحقيقة أن معرفتى بالشاعر وشعره قد بدأت منذ زمن بعيد، فقد رأيته لأول مرة ـ و كانت آخر مرة أيضا ًـ فى حياتى وأنا طالب بالفرقة الثانية بكلية الآداب بجامعة الزقازيق(1982)ـ شاهدته يلقى شعرا فى مهرجان شعرى كبير عقدته كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وألقى الشاعر فيها قصيدة قافية غراء فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت بعنوان((مولد النور)) وقد قال بانه قد كتبها عام 1975،وبعدها ترك الشاعر فى وجدانى عطراً فنياً لا ينقضى، عطراً شعريا غضاً غضيراً كعطر البحترى و شوقى وأحمد محرم ومحمود أبو الوفا، وغيرهم من شعراء الرقة والاقتدار اللغوى السمح، وعقدت العزم على متابعة الشاعر وشعره نقدياً،لكنى لم أظفر بطائل،ولكن واصلت البحث عن شعره،فى كل مكتبة قريبة من بلدتى،فوجدت ضالتى بمكتبة مدينة بلبيس بالشرقية،حيث وجدت قصيدة جميلة نادرة عن اليتيم سماها(اليتيم) منشورة فى كتاب الدكتور(محمد عبد المنعم خفاجى) (مذاهب الأدب) فنقلت القصيدة كاملة على الفور فى مذكرة خاصة بمختاراتى الشعرية الخاصة بى،وكانت كل قصيدة جميلة تستحوذ على ذائقتى وخيالى أكتبها بقضها وقضيضها،وعند قرائتى لقصيدة اليتيم، وجدتها تقف فى بنائها الجمالى المتقن، مع أخوات لها روائع كتبت عن اليتيم فى الشعر العربى المعاصر،كما هو الحال مثلا عند يتيم (محمود حسن إسماعيل) و(عبد الرحمن شكرى) و(أحمد زكى أبو شادى)، وسائر الشعراء الرومانسيين فى مصر والعالم العربى كله،؛ثم أنهيت دراستى العليا للماجستير،والدكتوراه عام1996،وسافرت للعمل بجامعة (عمر المختار)،بالجماهيرية الليبية،فالتقيت بالدكتور الليبى الصديق الغالى (إبراهيم أبو تبر)،وكان أحد خريجى بل من أنبغ تلامذة الدكتور محمد أبو موسى الأستاذ القدير للنقد والبلاغة، وقد احتفظ الدكتور إبراهيم أبو تبر (وهو يشغل الآن الدراسات العليا بجامعة درنة فى مدينة درنة معجزة الجمال بليبيا، وقد ظل الدكتور أبو تبر محتفظا بذكريات طيبة لا تزول للرعيل الأول من الأزاهرة أولى العزم العلمى والمنهجى النابغ الذين عملوا بالجامعة الليبية (جامعة عمر المختار أمثال: سعد ظلام وشيخ الأزهر الشريف محمد السيد طنطاوى والدكتور محمد أبو موسى صاحب كتابى: أسرار التراكيب،ودلالات التراكيب، والدكتور أحمد موسى صاحب كتاب الصبغ البديعى فى اللغة العربية، والدكتور حسن جاد صابح دراسة((الأدب الأندلسى بين التقليد والتجديد))،وقد ترك هؤلاء الرعيل الشامخ آثراً من إبداعهم الغر فى قلب الجامعة وقلوب الشعراء والكتاب الليبيين الذين ساعدونى فى الحصول على بعض قصائده غير المنشورة فى مصر،فقد ساعدنى الدكتور إبراهيم أبو تبر فى الحصول على بعض شعر حسن جاد حسن فظفرت بخمس قصائد كاملة للشاعر،قد نشرها بمجلة كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية،التى تصدرها اللجنة الثقافية بالكلية، بجامعة قاريونس ببنغازى،وكان ذلك بداية من عام1970 ـ 1974،الموافق1393 هـ،1394هـ، ومعظمها يتمتع بذات القدر من الجمال الفنى الباذخ ولنقرأ قصيدته المعنونة بــ((عيد الجلاء بليبيا)) والتى نشرها بمجلة الهدى الإسلامى التى كانت تصدر عن الجامعة الإسلامية بالكلية،العدد الثانى،مايو،عام1970،والتى يقول فيها:



سنا فجره المأمول شعت بواكره وهزت ربوع المشرقين بشائره

أطل على ليل الضياع وضوأت دروب الحيارى المدلجين مناوره

تواكبت الأيام حول صباحــه مواكب يمن طار بالسعد طائره

وخف إليه الدهر نشوان يجتلى مباهجه والأفق يعبق عاطــــره



والقصيدة الثالثة مطلعها(دنيا غد)



بوادر من دنيا غد وبشائر ... ترف فتهفو للسلام المشــــــــاعر

أطالعها في الأفق نشوان حالما ... فيغمرني من عالم النور غامر

أحس بقلبي سابحا في جوائه ... يرقرق فيها العيش والجو عاطر

وأحسب نفس فيه بين عوالم ... من النور تسرى في سناها الخواطر

يهيم بها روحي المشوق كأنه ... من الشدو والشوق المبرح طائر

طوالع من دنيا غد بين أفق ... تلوح فلا ترتد عنه الخواطــــــر

ودنيا سلام لا يكدر صفوه ... فلا الشر غلاب ولا الحقد كاشـــــر

ولا الجو مسموم النسائم ميت ... ولا الطير نواح الأغاريد حائر

ولا البر مجنون الحديد معربد ... ولا البحر مجنون السفائن ثائر

ولا الكون مشبوب الغرام مفزع ... تضج مآسيــــــــه وتشكو المجاذر

ولا الأرض أمست بالضحايا مقابرا ... وسال بها من ناذف الدم طاهر

ولا الطمع الملحاح يهتاج طائشا ... فيبعثها شعواء فيما يخاطـــــر



نقلاً عن منتدى أسمار رابط :

http://asmarna.org/al_moltqa/showthread.php?t=18800



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق